لماذا تتهافت منتخبات العالم على المدربين الأرجنتينيين؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

لماذا تتهافت منتخبات العالم على المدربين الأرجنتينيين؟

عندما تعاقد منتخب أوروغواي مع مارسيلو بيلسا في مايو (أيار) الماضي، انضم إلى مجموعة من المنتخبات التي يديرها مديرون فنيون من الأرجنتين، حيث يُدرب الأرجنتين ليونيل سكالوني الذي قادها للحصول على كأس العالم الأخيرة بقطر، كما يقود تشيلي إدواردو بيريزو، وباراغواي يقودها غويليرمو باروس ستشيلوتو، وبوليفيا يقودها غوستافو كوستاس، وكولومبيا يقودها نيستور لورنزو، وفنزويلا يقودها فرناندو باتيستا.

ويعني هذا أن سبعة من منتخبات «الكونميبول» (اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم) العشرة يقودها مديرون فنيون أرجنتينيون. ورغم أن بيرو يقودها مدير فني من بيرو، والإكوادور يقودها مدير فني إسباني، فإنهما قد جاءا أيضاً خلفاً لمديرين فنيين من الأرجنتين؛ فالمدربون الأرجنتينيون موجودون في كل مكان في أميركا الجنوبية، باستثناء البرازيل.

ويجعلنا هذا نطرح السؤال التالي: ما السبب وراء ذلك؟ من المنطقي ألا ترغب البرازيل، الدولة الوحيدة الناطقة بالبرتغالية في «الكونميبول»، في أن يكون مديرها الفني من منافستها وغريمتها التقليدية الأرجنتين، لكن ما الذي يجعل المديرين الفنيين الأرجنتينيين مميزين لهذه الدرجة بحيث تتعاقد معهم معظم المنتخبات في القارة؟

ولا يقتصر الأمر على أميركا الجنوبية وحدها، فالمديرون الفنيون الأرجنتينيون موجودون بكثرة في الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا – دييغو سيميوني، وماوريسيو بوكيتينو، وخورخي سامباولي، وتاتا مارتينو، ومارسيلو بيلسا – بطريقة لا تنطبق ببساطة على المديرين الفنيين القادمين من قارات أخرى. وحتى في البرازيل، فإن نادي فلامينغو يقوده مدير فني أرجنتيني هو سامباولي، وحتى الأسبوع الماضي كان أتليتكو مينيرو يقوده المدير الفني الأرجنتيني إدواردو كوديت، الذي رحل عن النادي بعد دخوله في خلافات مع المسؤولين بشأن انتقالات اللاعبين.

يعود السبب وراء ذلك جزئياً إلى أن كرة القدم الأرجنتينية تتسم بالقوة والشراسة، وهو الأمر الذي فكر فيه ريكاردو غاريكا بعد عودته من ثماني سنوات ناجحة مع بيرو إلى نادي فيليز سارسفيلد، الذي قضى به معظم مسيرته الكروية، قبل أن يقال من منصبه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد 12 مباراة فقط في قيادة الفريق. ويعتقد روبرتو بيرفومو، مدافع المنتخب الوطني السابق، أن هذه البيئة تولد القوة والشراسة والمرونة والقدرة على التكيف. ويقول: «الأرجنتيني مثل الصرصور الذي يمكنه العيش في أي مكان والتغلب على كل الصعاب والمحن: يلعب وسط الثلوج، وفي أعالي الجبال، وفي المرتفعات، وفي الأجواء الحارة، ودون أن يفهم لغة من حوله، وقادر على اللعب في أي وقت».

ومنذ اللحظة التي تعاقد فيها إنريكو مارون، رئيس سينزانو، في عام 1924 مع مهاجم نيويلز أولد بويز، خوليو ليبوناتي لصالح نادي تورينو الذي كان رئيساً له، اعتاد الأرجنتينيون السفر. وكانت «عودة» الأرجنتينيين إلى موطن أجدادهم سمة من سمات كرة القدم الإيطالية في الثلاثينات من القرن الماضي، لدرجة أنه كان هناك ثلاثة لاعبين مولودين في الأرجنتين ضمن صفوف المنتخب الإيطالي المتوج بلقب كأس العالم في عام 1934، وكان من بينهم لويس مونتي، الذي قاد الأرجنتين في نهائي كأس العالم عام 1930. وعلاوة على ذلك، فإن المشكلات الاقتصادية التي عصفت بالأرجنتين وجعلتها عاجزة عن سداد ديونها في عام 2001 جعلت الأرجنتينيين أكثر ميلاً للبحث عن المال والاستقرار في الخارج.

لكن الأمر لم يكن مجرد مسألة ضرورة اقتصادية أو رغبة في الرحيل إلى دولة تتحدث اللغة نفسها، لكنه يتعلق أيضاً بالناحية الثقافية. وقال غوستافو ألفارو، المدير الفني الأرجنتيني الذي قاد الإكوادور في نهائيات كأس العالم: «إنهم يبحثون عنا لأننا نعشق الخطط التكتيكية. لدينا مدارس آيديولوجية مختلفة أسهمت في تكويننا ونضجنا».

سيميوني يقود ثورة في أتلتيكو مدريد (أ.ف.ب)

ومنذ منتصف الستينات من القرن الماضي فصاعداً، ظل السؤال المطروح هو ما إذا كانت كرة القدم تعتمد على الموهبة الفردية أم على التنظيم والانضباط، ثم جاء مارسيلو بيلسا ليجذب التفكير الأرجنتيني إلى عصر الضغط العالي والمتواصل على حامل الكرة. لكن بحلول عام 2010 كان هناك من يتساءل عما إذا كان التركيز على السرعة والقوة قد حرم كرة القدم من المتعة التي كانت تتميز بها في السابق. ربما كان هناك شكل من أشكال المراجعة التي جرى التعبير عنها بشكل واضح من خلال كرة القدم التي كان يقدمها مارسيلو غاياردو، الذي فاز بلقبين لكأس «كوبا ليبرتادوريس» مع ريفر بليت، ووصل إلى المباراة النهائية مرة أخرى، لكنه لم يتمكن من العثور على وظيفة في أوروبا: ربما لم يحظ غاياردو بتقدير عالمي قط، لكنه ربما كان صاحب البصمة الكبرى فيما وصلت إليه كرة القدم الحديثة.

ويجب ألا ننسى أيضاً الدور الذي يلعبه الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم. لقد فازت الأرجنتين بخمس من سبع بطولات لكأس العالم تحت 20 عاماً خلال الفترة بين عامي 1995 و2007، أولاً تحت قيادة خوسيه بيكرمان ثم تحت قيادة مساعده السابق هوغو توكالي. لكن جرى التعامل مع بيكرمان وتوكالي على أنهما فشلا بعد خروج المنتخب الأرجنتيني الأول من الدور ربع النهائي لكأس العالم عام 2006 بعد الخسارة بركلات الترجيح. لكن مع تراجع أعداد اللاعبين الموهوبين، كانت هناك محاولة لإعادة مستويات الشباب إلى القمة من خلال الاعتماد على بابلو أيمار ثم دييغو بلاسينتي، اللذين كانا ضمن المنتخب الأرجنتيني المتوج بكأس العالم تحت 20 عاما تحت قيادة بيكرمان عام 1997.

كان سكالوني أيضاً عضواً في هذا الفريق، وقد اتضح أن تعيينه مديراً فنياً للمنتخب الوطني الأول في عام 2018 كان خطوة ذكية للغاية. في الحقيقة، يجسد سكالوني قيم وصفات المدير الفني الأرجنتيني الجديد: عملي، وجاد، ويعتمد على العمل الدؤوب والعلاقة الجيدة باللاعبين، والاعتماد بشكل كبير على محللي البيانات. لقد كانت استعادة روح بيكرمان، إن لم تكن رؤيته الدقيقة، خطوة ضرورية للغاية.

وهناك تناقض واضح للغاية مع البرازيل، التي نادراً ما يجد مدربوها عملاً في أوروبا أو في أي مكان آخر في أميركا الجنوبية. وكان تيتي، الذي رحل عن تدريب المنتخب البرازيلي بعد كأس العالم الأخيرة، استثناءً من حيث رغبته في السفر للخارج من أجل توسيع نطاق تعليمه وخبراته. وعلى الرغم من استمرار سيطرة الأندية البرازيلية على كأس «كوبا ليبرتادوريس»، فإن السبب في ذلك يعود إلى التفوق الاقتصادي وليس التطور الخططي والتكتيكي.

أما في الأرجنتين، فقد تضافرت الضرورة مع الثقافة المتجذرة في المناقشات البناءة لإنتاج جيل جديد من المديرين الفنيين المرنين المستعدين للتكيف مع أصعب الظروف والمواقف. قد لا يروق هذا التشبيه الكثيرين، لكن تشبيه بيرفومو للأرجنتينيين بأنهم مثل الصراصير الذين يمكنهم العيش في أية ظروف يبدو مناسباً تماماً!

وهكذا وكما تشتهر الأرجنتين بنبيذها الفاخر ولحومها اللذيذة ورقصة التانغو شائعة الصيت وبالطبع شغف الأرجنتينيين بكرة القدم، إلى جانب بعض أفضل اللاعبين في كل العصور، كانت الأرجنتين موطناً لبعض أعظم المدربين في كل العصور أيضاً. هناك الكثير من الأسباب التي تجعل الأرجنتين تُعد إحدى القوى القوية في عالم كرة القدم، الوصول إلى ست نهائيات لكأس العالم والفوز بثلاثة منهم، ولديه لاعبون مثل عمر سيفوري، وألفريدو دي ستيفانو، ودييغو مارادونا. ولا شك في أن تاريخ ليونيل ميسي لعب دوراً بارزاً في أن تصبح الأرجنتين إحدى القوى الكبيرة في عالم الساحرة المستديرة. بالإضافة إلى هؤلاء، هناك الكثير من العقول الأرجنتينية الكبيرة في تاريخ اللعبة الجميلة التي لا يمكنك تجاهلها. كرة القدم التي نعرفها اليوم، لن تكون كما هي دون بعض أعظم المدربين في كل العصور، وكان للأرجنتين نصيبها فيها.

وبعد أن أعلن نادي إنتر ميامي الأميركي تعيين الأرجنتيني خيراردو مارتينو، مدرب برشلونة السابق، مديراً فنياً للفريق الأميركي، هل سيغزو المدربون الارجينتيون الملاعب الأميركية. وسيتولى مارتينو تدريب فريق إنتر ميامي، الذي يرأسه الإنجليزي ديفيد بيكهام، خلفاً لفيل نيفيل الذي أقيل من منصبه مطلع هذا الشهر. وبذلك ينضم مارتينو إلى مواطنه ميسي، الفائز بكأس العالم، والذي انتقل لفريق إنتر ميامي بعد رحيله عن باريس سان جيرمان الفرنسي، عقب نهاية عقده. وقال مارتينو، الذي درب ميسي مع برشلونة والمنتخب الأرجنتيني: «متحمس للغاية للانضمام لنادي مثل إنتر ميامي، أعلم أننا معاً يمكننا تحقيق الكثير من الإنجازات العظيمة».

* خدمة {الغارديان}

‫0 تعليق

اترك تعليقاً