الرئاسة الأوكرانية: قائد «فاغنر» أذل بوتين

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

مخاوف فرنسية من «الفوضى» المترتبة على التطورات الروسية

لم تشذ أولى ردات الفعل الفرنسية عما صدر عن العواصم الأوروبية الأخرى أو عن الولايات المتحدة الأميركية. وجاء التعليق الأول من قصر الإليزيه متضمناً جملتين لا غير، تقول الأولى إن الرئيس إيمانويل ماكرون «يتابع الوضع في روسيا عن كثب». وتقول الثانية: «نحن ما زلنا مركزين على الدعم لأوكرانيا».

وباريس، كما غيرها من العواصم الأوروبية وتلك التي تشكل النواة الصلبة الداعمة لأوكرانيا، منخرطة في مشاورات متعددة الأطراف، إن في إطار الاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي، وأيضاً في إطار مجموعة السبع لمراقبة ما يجري في روسيا. وما يهم الغربيين التقاط انعكاسات تطور الأوضاع في روسيا على الوضع الروسي الداخلي، وعلى مسار الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضاً على مجمل القارة الأوروبية. وتؤكد مصادر فرنسية معنية بما يجري في روسيا أن الموقف «المتحفظ» لفرنسا كما لغيرها من الدول الغربية سببه أنها «تريد أن تتجنب أمرين: الأول، رمي تهمة ما يحصل في الداخل الروسي عليها واتهامها بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية. والثاني، أنها بحاجة لمزيد من الوقت لترى كيف ستتطور الأحداث وتنجلي صورة الأوضاع هناك ويعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود».

وأصدرت وزارة الخارجية بياناً أكدت فيه «متابعتها للتطورات الحاصلة في روسيا حالياً وهي معبأة سفارتها في موسكو لضمان أمن المواطنين الفرنسيين الموجودين هناك، إضافة إلى أفراد السلك الدبلوماسي والقنصلي». وأضاف البيان أن وزيرة الخارجية «على تواصل وثيق مع الشركاء الدوليين وتحديداً نظراؤها في مجموعة السبع والممثل الأعلى للسياستين الخارجية والأمنية» للاتحاد الأوروبي.

بيد أن المقاربة الفرنسية – الأوروبية الأولى عنوانها الأول «الخوف من الفوضى» التي يمكن أن تعم روسيا، الدولة التي تمتلك ثاني أكبر ترسانة نووية في العالم.

وتذكر هذه المصادر بما حصل في الولايات المتحدة، عندما بدت مخاوف أمنية في مرحلة انتقال السلطة من الرئيس دونالد ترمب والرئيس جو بايدن، وخوف الماكينة العسكرية الأميركية من أي قرار متهور قد يتخذه الأول لتعطيل تنصيب الثاني. وفي هذه المرحلة المضطربة، نزعت من ترمب، القائد الأعلى للجيوش الأميركية، إمكانية استخدام مفاتيح القوة النووية. والأمر نفسه قد يطرح بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين إذا ساءت الأمور بالنسبة إليه، وتمكنت حركة التمرد التي يقودها زعيم ميليشيا «فاغنر» من تأليب القوات المسلحة ضده. وأكثر من ذلك، يتخوف المراقبون في فرنسا من «الفوضى» التي يمكن أن تعم روسيا ومن تمدداتها إلى الخارج.

وهناك إجماع للمحليين السياسيين والاستراتيجيين الفرنسين على أن بوتين «يجتاز أسوأ مرحلة من حياته السياسية ومنذ وصوله إلى الرئاسة»، حيث إن عرش الرجل القوي بدأ بالاهتزاز ولا أحد يعرف كيف ومتى سوف تنتهي هذه القصة. وثمة إجماع ثان يقوم على اعتبار أن «تمرد» أفغيني بريغوجين ثمرة مغامرة عسكرية في أوكرانيا، اعتقد بوتين ومعه قادته العسكريون الكبار أنها ستكون بمثابة «نزهة وأن أياماً قليلة ستكون كافية لقلب الحكومة الأوكرانية وتنظيف أوكرانيا من النازيين»، وإقامة حكومة موالية لموسكو كما حصل في الشيشان مثلاً.

ترى صحيفة «لو موند» أن العجيب اليوم في روسيا هو وجود معسكرين: الأول، معسكر «الموالين» ومعسكر «المتمردين»، وأن الأخير نجح بسرعة في السيطرة على مدينة روستوف، التي يزيد عدد سكانها على مليون نسمة ويقبض على عدة جنرالات ويستولي على المنشآت العسكرية للمدينة التي تعد «عقدة» المواصلات التي تفضي إلى الجبهات الأوكرانية.

وتتوقف الوسائل الإعلامية الفرنسية عند شخصية بريغوجين، الذي كان أحد أقرب المقربين من بوتين، وهو مثله من مواليد مدينة بطرسبرغ وكان طاهيه المفضل. وها هو اليوم يدعو إلى «تحرير الشعب الروسي»، ويندد بالسردية الرسمية لروسيا التي تبرر الحرب في أوكرانيا، أو تتحدث عن نجاحات القوات الروسية في صد الهجمات الأوكرانية.

وتتساءل الصحافة الفرنسية عما إذا كانت القطيعة أصبحت «نهائية» مع سيد الكرملين أم أن بوتين يمكن أن يتصالح معه مجدداً كما فعل مع رمزي قاديروف، الرئيس الشيشاني الذي حاربه أولاً ثم تصالح معه.

مقاتلون من «فاغنر» أمام المقر الرئيسي للمنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف أون دون السبت (رويترز)

يقول أرنو دوبيان، مدير «المرصد الفرنسي – الروسي» في ردة فعل أولية لصحيفة «لو فيغارو»، إن ما يحصل مع بريغوجين «فشل جديد يضاف إلى لائحة الفشل الطويلة للكرملين»، مضيفاً أن بريغوجين «يلعب لعبة خطيرة وليس واضحاً أنه يستطيع السير خطوة إلى الوراء. إنها ليلة السكاكين الطويلة»، في إشارة إلى ما حصل مع القادة المقربين من أدولف هتلر، الذين تمت تصفيتهم لخوفه من منافستهم.

يرى ميكاييل كوفمان، مدير «معهد الدراسات الروسية» والعضو في «مركز الأمن الأميركي الجديد»، في الصحيفة نفسها، أن ما يقوم به زعيم «فاغنر» «عامل يائس»، لكنه مع ذلك، يربط مصيره بانضمام شخصيات مدنية وعسكرية إليه. وإذ يشكك بهذا الانضمام، فإنه يشير إلى أن أجهزة الأمن الروسية «تتعامل مع تهديد بريغوجين بجدية».

أما بالنسبة لديميتري مينيتش، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن ما يحصل هو «محاولة لقلب نظام الحكم» في روسيا والتخلص من بوتين. ومن سخرية الأقدار، وفق الباحث، أن «فاغنر» «أنشئت أصلاً للتدخل في الدول الأجنبية ولضرب الاستقرار فيها»، وها هي اليوم «تهدد النظام الروسي».

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما قاله الرئيس ماكرون، أول من أمس، في حديث صحافي، حيث اتهم روسيا بأنها تحولت إلى «قوة مزعزعة للاستقرار في أفريقيا من خلال الميليشيات الخاصة التي تذهب إلى أفريقيا للسيطرة على ثرواتها، وحيث تمارس أعمال تنكيل بالسكان المدنيين»، مؤكداً أن ما يقوله «موثق»، وورد في تقارير للأمم المتحدة بخصوص تصرفات «فاغنر» في جمهورية أفريقيا الوسطى مثلاً. وأضاف ماكرون أن روسيا «وضعت نفسها في موضع من لا يحترم القانون الدولي، وأنها من خلال الحرب التي تقوم بها في أوكرانيا، هي إحدى القوى الاستعمارية القليلة في القرن الحادي والعشرين».

«هل سلطة الكرملين مهددة؟ وهل بوتين يخاف حقيقة من الخونة الذين يعد بتأديبهم؟»، هذا هو التساؤل الذي تطرحه صحيفة «ويست فرانس» واسعة الانتشار. وتجيب الصحيفة أن «ثمة ما يتعين على بوتين أن يتخوف منه لأن انتفاضة المرتزقة لم تنحصر بالتهجم والتهديد، بل أصبحت واقعاً، إذ تسيطر ميليشيا فاغنر على مدن وعلى الموقع المركزي المتحكم بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، وأن عناصر من القوات الروسية الرسمية قد انضمت إليها، وأنهم يسيرون باتجاه موسكو».

ومن علامات الاستفهام التي تتوقف عندها الصحيفة الفرنسية مسألة ما إذا كان بوتين قادراً على التعويل على ولاء قواته المسلحة، فيما تعتبر أن بوتين قادر على التعويل بدرجة أعلى على قوات الحرس الوطني الفيدرالية التابعة له مباشرة، والتي يبلغ تعداها 400 ألف رجل، وكذلك على حرس الحدود «200 ألف رجل»، وعلى جهاز الأمن الداخلي «350 ألف رجل» فيما سارع قاديروف، الزعيم الشيشاني إلى وضع قواته بتصرف بوتين للقضاء على التمرد.

وترى الصحيفة أن بوتين، إلى جانب الدعم الأمني والعسكري، بحاجة لدعم حلفائه السياسيين ومنهم الرئيس السابق ديميتري ميدفيديف وأعضاء غرفتي الدوما (البرلمان)، فضلاً عن الدعم الضروري من رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، البطريرك سيريل، الذي وفر دوماً مساندة للرئيس بوتين بما في ذلك الحرب التي أعلنها على أوكرانيا. أما الدعم الشعبي، فإنه مسألة أخرى.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً