25 قتيلاً جراء اندلاع حريق في حافلة بالهند

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

رغم محاربة «طالبان» له… من الصعب القضاء على الإرث الغربي للاحتلال الأميركي

في حين أن حركة «طالبان» محت الآثار الأكثر وضوحاً لـ«الجهود الأميركية لبناء الأمة في أفغانستان»، فإن التراث الثقافي الغربي لعقدين من الاحتلال الأميركي كان من الصعب محوه والقضاء عليه.

صالات البلياردو يقبل عليها الشباب الأفغان (نيويورك تايمز)

تجده هناك في قاعات «السنوكر» المزدحمة، حيث يحوم الشبان في سراويل الجينز حول طاولات مخملية ويصرخون «طلقة لطيفة» باللغة الإنجليزية. وتجده تعيش في الغرف المظلمة من نوادي ألعاب الفيديو، حيث يجلس الصبية المراهقون على أرائك يلعبون «كول أوف ديوتي: نداء الواجب» و«الفيفا»، مع ملصقات مشاهير كرة القدم موزعة حول الجدران. كما تجده في المقاهي، حيث تحتسي النساء الكابتشينو، إذ تختفي سراويل الجينز الضيقة تحت عباءاتهن الفضفاضة، بينما تنطلق نغمات «تايلور سويفت» برفق من مكبرات الصوت المجاورة.

كابُل القديمة تختبئ بين طيات المدينة الجديدة (نيويورك تايمز)

منذ أن أطاحت «طالبان» بالحكومة التي يدعمها الغرب منذ عامين تقريباً، أزالت الحركة آثار المشروع الأميركي لبناء الأمة في أفغانستان. وأُفرغت غرف الدراسة في المدارس الثانوية والجامعات من النساء. ثم حل علماء الدين والتفسيرات الصارمة للشريعة محل القضاة وقوانين العقوبات الحكومية. تماماً كما حُل البرلمان، وذهبت بذهابه أي صورة من صور السياسة التمثيلية في البلاد.

لكن كان من الأصعب القضاء على التراث الثقافي المتبقي بعد عقدين من الاحتلال الأميركي؛ تلك الطرق الأكثر دهاءً التي تصادمت فيها الثقافات الغربية والأفغانية في المدن الرئيسية، وصارت تُشكل وجه الحياة الحضرية جنباً إلى جنب مع جيل الشباب الذين نشأوا داخلها.

قال أحمد خالد (37 عاماً)، حال جلوسه في مطعم بوسط مدينة كابُل: «لقد تغير الأمر تماماً خلال السنوات العشرين الماضية. هناك المزيد من المدارس، وكل ماركة من الملابس والأحذية تجدها هنا، والأكاديميات الرياضية، ولدينا كل التكنولوجيا الجديدة».

المطاعم الغربية في شوارع كابل (نيويورك تايمز)

إن التأثير الغربي المستمر هو الأبرز في العاصمة. قبل بدء الحرب بقيادة الولايات المتحدة عام 2001، كانت كابُل مدينة في حالة من الفوضى، وانتشرت فيها الأنقاض بعد سنوات من القتال خلال الحرب الأهلية، وفيما بعد بين قوات المقاومة والحكومة الأولى لحركة «طالبان». لكن بعد الغزو الأميركي، صارت مركزاً للاهتمام الدولي.

الصغار يقبلون على نوادي ألعاب الجمانزيوم (نيويورك تايمز)

وتدفق الآلاف من عمال الإغاثة الأجانب والجنود والمقاولين، وانتشرت المباني الشاهقة وأبراج شبكات المحمول. وظهرت مطاعم ومراكز تجارية جديدة تقدم الطعام للأثرياء الأفغان الجدد الذين يمتطون موجة الازدهار الاقتصادي الجديدة. ومنذ عام 2001، تضاعف عدد سكان المدينة تقريباً، حيث وصل إلى نحو 5 ملايين نسمة اليوم – أو نحو نصف إجمالي سكان المدن في البلاد».

مكتبات أفغانية بطابع غربي في شوارع كابل (نيويورك تايمز)

توجد متاجر لبيع البيتزا، ومنافذ لبيع البرغر، وصالات كمال الأجسام في كل حي. يبيع الباعة في الهواء الطلق قمصاناً مستعملة مزينة بعبارة «أنا أحب نيويورك» بأحرف كبيرة. أما الوشوم – التي تعد محرمة في الإسلام – للنجوم والأقمار وأسماء الأمهات فهي محفورة على أذرع الشباب. ويصرخ أطفال الشوارع بكلمات اللغة الإنجليزية بكل طلاقة.

المطاعم والمكتبات… جزءٌ لا يتجزأ من كابل

بالنسبة لأفراد الجيل الحضري الشاب، صارت المطاعم والمكتبات جزءاً لا يتجزأ من حياة المدينة. وهناك يمكنهم الدخول من الباب للفرار من الواقع الكئيب أحياناً في بلد تُعيد بناءه الآن الحكومة التي غالباً ما تشعر بأنها غريبة عليهم أكثر من الحكومة المدعومة من الغرب.

بعد ظهر أحد الأيام في غرب كابُل، كان مقهى شعبي يعج بصرير آلة الإسبريسو المزعج. تردد صدى النغمات الصوتية في جميع أنحاء الغرفة في حين اختلط الرجال والنساء بين النباتات المحفوظة بالأواني ورف كتب الأدب الإنجليزي والفارسي، متجاهلين مراسيم «طالبان» الشفهية التي تحظر الموسيقى ومتطلبات الفصل بين الجنسين.

أحد الشباب في العشرينات من عمره يرتدي قميصاً أبيض يحدق في شاشة كمبيوتر محمول، وأصابع يديه تربت بإيقاع الموسيقى التي تنطلق في سماعات الرأس. وفي الجوار، التقطت فتاتان مراهقتان بشفتين من اللون الأحمر القرمزي وكحل العين السميك صور «سيلفي» على هواتفهما الآيفون.

على طاولة أخرى، طلبت الفتاة «طيبة» (19 عاماً)، من النادل أن يحضر الشاي، بينما قلبت صديقتها «فرحات» (19 عاماً)، صفحات كتاب «قواعد الحب الأربعون» لإليف شفق، وكان وشاح رأسها الأبيض مدفوعاً إلى الخلف بحيث يغطي كتفيها فقط. عادة ما تلتقي الفتيات لتناول القهوة هنا مرة أو مرتين في الشهر – كلما أمكنهن تحمل التكاليف. وأوضحن أنه عالم في حد ذاته، وهو واحد من الأماكن العامة القليلة المتبقية، حيث يُسمح لهن بالدخول وحيث لا يمثل وجودهن هناك أي تهديد.

قالت «طيبة»: «أحب رائحة المكان، والكتب، والموسيقى التي يعزفونها». وأضافت بابتسامة ساخرة: «برغم أنني لم أعد أحب موسيقى البوب منذ أن أصبحت مسلمة جيدة خلال العامين الماضيين». نظرت الفتاتان إلى بعضهما البعض وانفجرتا وهما تضحكان: «كنت أمزح فحسب».

يمكن أن تكون هذه مجادلة صارخة: في مدينة تُمنع فيها الفتيات من الذهاب إلى المدرسة فوق الصف السادس الابتدائي ولكن يُسمح لهن بقراءة الكتب باللغة الإنجليزية في المقاهي، وحيث يُطلب من الموظفين الحكوميين الذكور أن يُطلقوا لحاهم بينما يستمتع الصبية المراهقون بقصات الشعر الحديثة وارتداء القمصان التي تبرز الماركات الرياضية الأميركية.

يُعزى هذا التنافر جزئياً إلى الرؤى المتنافسة لمسؤولي حركة «طالبان» بشأن البلاد. وتؤمن القيادة العليا للحكومة – التي نادراً ما تغادر معقلها الجنوبي في قندهار – بتفسير صارم للإسلام وسنت قوانين تؤكد ذلك. أما المسؤولون الأكثر اعتدالاً في كابُل فقد دفعوا بسياسات أقل تقييداً، وسمحوا بتراخي بعض الأعراف في المدينة التي من غير المرجح أن تبقى على قيد الحياة في قندهار.

رُغم ذلك، فإن كبار المسؤولين في مختلف أنحاء البلاد يقتربون من الأجانب في البلاد بقدر من التشكك. ويخضع الصحافيون الأجانب القلائل المسموح لهم بتأشيرات دخول إلى مراقبة دقيقة من قبل مسؤولي الاستخبارات. وقد اتهمت الحكومة بعض المسافرين الغربيين بالتجسس. ويناقش المسؤولون، المتشككون فيما يتم تدريسه في المدارس المدعومة من المنظمات غير الربحية، حالياً حظر عمل مجموعات المساعدات الأجنبية في مجال التعليم.

بالنسبة للشركات التي تحاول التعامل مع الواقع الجديد في أفغانستان، فإن الخط الأحمر لما هو مسموح وما هو غير مسموح به غالباً ما يكون غامضاً. ويقول النادل إن أحد مطاعم البرغر الشهيرة في وسط كابُل يعزف الموسيقى الإيرانية وموسيقى البوب الأميركية، لأنه مع حظر الموسيقى في أماكن عامة أخرى، فإن المسؤولين لم يمنعوها صراحة في المطاعم. ومع ذلك، يراقب الموظفون بعناية كاميرات الأمن ويغلقون الموسيقى عندما يرون أحد عناصر «طالبان» على وشك دخول المطعم.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً