كييف ستعتبر البواخر المتجهة إلى روسيا في البحر الأسود «سفناً عسكرية» محتملة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

موسكو تقوض آليات تنفيذ «صفقة الحبوب» وتنهي عمل مكتب التنسيق في إسطنبول

بعد مرور أيام على إعلان موسكو قرارها الانسحاب من «صفقة الحبوب» ومطالبتها بتنفيذ حزمة من الشروط التي تهيئ الظروف للعودة إلى الاتفاق، بدا الخميس أن التحركات الروسية لم تعد تحمل طابعا تكتيكيا يهدف لتحسين ظروف موسكو التفاوضية، كما قالت أوساط روسية في البداية. إذ سار الكرملين خطوات إضافية لتقويض الاتفاق، في مسعى لتحديد آليات لصفقة جديدة تضمن تنفيذ الشروط التي تلبي مصالح روسيا.

وتزامن توسيع نطاق الضربات العسكرية الروسية على مناطق أوكرانية تضم منشآت وبنى تحتية تستخدم في تخزين ونقل الصادرات الأوكرانية من الحبوب والأسمدة، مع فرض منطقة حظر في البحر الأسود على حركة السفن المدنية التي قالت موسكو إنها قد تستخدم لتوجيه ضربات أو نقل معدات عسكرية. في الوقت ذاته، جاء قرار سحب موظفي لجان التنسيق الروس من مكتب التنسيق في إسطنبول لينهي نشاط هذا المكتب الذي تولى منذ إبرام الصفقة في يوليو (تموز) من العام الماضي الإشراف على تنفيذ بنودها.

وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في إفادة صحافية الخميس إن مركز تنسيق صفقة الحبوب في إسطنبول «توقف عن العمل». وجاء التعليق بعد مرور ساعات على إعلان أن الوفد الروسي غادر مركز التنسيق.

وفي إشارة إلى أن موسكو باتت تفضل العمل وفقا لآليات جديدة قالت الدبلوماسية الروسية إن بلادها «ستواصل بذل جهود نشطة ومستقلة لضمان الأمن الغذائي العالمي إلى جانب شركاء موثوق بهم». وعلقت زاخاروفا على توجه بروكسل لـ«تحديد آفاق استئناف صفقة الحبوب»، مؤكدة أن «التحسن الحقيقي للوضع لا يمكن تحقيقه إلا إذا تم إجراء تغييرات على لوائح عقوبات الاتحاد الأوروبي».

وأشارت إلى أن هذه التغييرات يجب أن يوافق عليها جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي. لكن، حسب رأيها، فإن مثل هذا السيناريو مستحيل عملياً بسبب «تصاعد مشاعر العداء لروسيا في العواصم الأوروبية البارزة».

حصادة تعمل في حقل للقمح قرب العاصمة الأوكرانية كييف (أرشيفية – رويترز)

وكانت «مبادرة حبوب البحر الأسود» وفقا للتسمية الرسمية لـ«صفقة الحبوب»، التي أبرمها العام الماضي ممثلو روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، توقفت عن العمل في 18 يوليو بعد انسحاب روسيا منها، وتضمنت الصفقة آليات لتصدير الحبوب والأغذية والأسمدة الأوكرانية من ثلاثة موانئ على البحر الأسود، بما في ذلك أوديسا.

وكان الشق الروسي من الصفقة تمثل في مذكرة نصت على إلغاء حظر تصدير المواد الغذائية والأسمدة الروسية، وإعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت المالي الدولي، واستئناف تصدير الآلات الزراعية وقطع الغيار إلى روسيا، واستعادة عمل خط أنابيب الأمونيا (Togliatti – Odessa) وخطوات أخرى، لم يتم تنفيذها، لأن الاتحاد الأوروبي رأى فيها تقويضا لنظام العقوبات المفروض على موسكو، ما أسفر في النتيجة عن انسحاب روسيا من الصفقة.

وحدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس شروط بلاده لاستئناف التعاون في هذا المجال، وقال إنه «من دون الوفاء بنقاط المذكرة، فإن استمرار صفقة الحبوب بالشكل الذي وُجدت فيه فقد كل معنى». وحسب قوله، فإن موسكو «سوف تنظر في إمكانية العودة إلى تنفيذ الاتفاقية إذا تم أخذ جميع مبادئ مشاركتها فيه، دون استثناء، بعين الاعتبار وتنفيذها».

ومع التحركات السياسية الروسية لإنهاء آليات العمل بالصفقة بصيغتها المعروفة، عززت موسكو نشاطها ميدانيا لتقويض مجالات تنفيذ الشق الأوكراني من الصفقة.

وبعد مرور يوم واحد على إعلان وزارة الدفاع الروسية فرض منطقة حظر على حركة السفن في البحر الأسود، انطلاقا من احتمال أن تنقل بعض سفن الشحن عتادا عسكريا إلى أوكرانيا، عززت موسكو هذا التوجه الخميس. حذر البيت الأبيض الأربعاء من أن روسيا قد توسع استهدافها لمنشآت الحبوب الأوكرانية ليتضمن هجمات على سفن الشحن المدنية في البحر الأسود. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض آدم هودج إن المسؤولين الأميركيين لديهم معلومات تشير إلى أن روسيا نشرت ألغاما بحرية إضافية عند مداخل الموانئ الأوكرانية. وأضاف «نعتقد أن هذا جهد منسق لتبرير أي هجمات على السفن المدنية في البحر الأسود وإلقاء اللوم على أوكرانيا في هذه الهجمات». واتهمت أوكرانيا روسيا في وقت سابق الأربعاء بإلحاق الضرر بالبنية التحتية لتصدير الحبوب في ضربات «شنيعة» خلال الليل ركزت على اثنين من موانئها المطلة على البحر الأسود، وتعهدت بألا يردعها ذلك عن العمل للحفاظ على خروج صادرات الحبوب من موانئها.

ونشرت وسائل إعلام حكومية روسية أن مجموعة ناشطة في مجال «القرصنة الإلكترونية» حددت مسارات «سفن مدنية» يعتقد أنها شاركت في الهجوم الذي استهدف جسر القرم الاثنين الماضي.

وقال مصدر في المجموعة: «تعمل مجموعتنا في إطار الرد على الهجوم الإرهابي على جسر القرم الذي ارتكبته المخابرات الأوكرانية، وقمنا بنشر مسار السفن التي تم على الأرجح منها إطلاق الزوارق المفخخة تجاه الجسر».

وأشار إلى أن «السفينة الأولى تواجدت قبل أيام من الهجوم مقابل الساحل الروسي في البحر الأسود على بعد 100 كيلومتر من نوفوروسيسك، فيما تواجدت الثانية إلى الجنوب من الأولى، وفي وقت لاحق التقت السفينتان في عرض البحر». ويرى القراصنة أنه ربما تم استخدام سفينة ثالثة في عرض البحر لتوجيه المسيرات.

وحملت هذه المعطيات تأكيدا للرواية الروسية بأن أوكرانيا تستخدم سفنا مدنية لشن هجمات، أو نقل معدات عسكرية.

وجاء ذلك، بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية أنه بدءا من منتصف ليلة 20 يوليو (تموز)، سيتم التعامل مع جميع السفن المبحرة في البحر الأسود إلى الموانئ الأوكرانية على أنها تنقل معدات عسكرية لقوات كييف.

السفن المحملة بالحبوب الأوكرانية تنتظر عمليات التفتيش في خليج البوسفور (رويترز)

وأوضحت الوزارة أنه بناء على تحذيرها، «ستُعتبر الدول التي ترفع هذه السفن علمها متورطة في النزاع الأوكراني إلى جانب نظام كييف». بالإضافة إلى ذلك، تم إعلان بعض المناطق في الأجزاء الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية من المياه الدولية للبحر الأسود خطرة للملاحة مؤقتا. وأضافت الوزارة أن «التحذيرات الإعلامية ذات الصلة بسحب ضمانات سلامة الإبحار صدرت بالطريقة المقررة».

ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن الخبير العسكري، فيكتور ليتوفكين، أن تحذير وزارة الدفاع الروسية بشأن السفن المتجهة إلى موانئ أوكرانيا يمكن اعتباره بمثابة «حصار لأوديسا ونيكولاييف».

وقال ليتوفكين: «ستكون سفننا الحربية ببساطة في الخدمة في الجزء الشمالي الغربي من البحر الأسود. سيتم إيقاف جميع السفن التي تقترب منا تحت تهديد السلاح. إذا توقفت، فسوف نفحص هذه السفن وفي الحالات الأخرى نغرقها أو نعيدها. لن ندع أي شيء يدخل أوديسا. حصار كامل لأوديسا ونيكولاييف».

وبحسب الخبير، فإن الأسطول الروسي، في حالة الكشف عن ناقلات البضائع العسكرية، سوف يتصرف بشكل «حاسم وسريع». وأشار ليتوفكين، إلى «لقد حذرنا. إذا كنت لا تمتثل لمتطلباتنا، فنحن آسفون، فهذه منطقة حرب. قد تنطلق عن طريق الخطأ قذيفة أو طوربيد».

ميدانيا، واصلت موسكو لليوم الثالث على التوالي، تنفيذ هجمات مركزة وقوية على البنى التحتية التي ترى أنها قد تستخدم لنقل الحبوب من أوكرانيا. وأفادت وسائل إعلام أوكرانية صباح الخميس، أن أصوات انفجارات قوية سمعت في مقاطعات سومي وأوديسا ونيكولاييف في أوكرانيا، وتم تفعيل منظومات الدفاع الجوي في هذه المناطق.

وأظهرت خريطة الإنذار على موقع وزارة التنمية الرقمية الأوكرانية إطلاق صفارات الإنذار في المقاطعات الثلاث، فضلا عن تشيرنيغيف وبولتافا ودنيبروبتروفسك في وسط أوكرانيا، وفي الأجزاء التي ما زالت تسيطر عليها القوات الأوكرانية من مقاطعة زابوريجيا.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً