المسيّرات تدخل المعارك في السودان

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

اتهامات لـ«إيغاد» بالسعي إلى نزع شرعية البرهان

وضعت «الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا» (إيغاد)، المعنية بالسلام في القرن الأفريقي، وبحضور دولي وإقليمي لافت، «النقاط على الأحرف» لعملية إقليمية ودولية واسعة تهدف إلى إيقاف الحرب واستعادة السلم في السودان، والعودة للانتقال المدني الديمقراطي الذي أجهضه انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وقضت عليه الحرب بين الجنرالين، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو.

وبينما وجدت مقررات الاجتماع تأييداً مدنياً واسعاً، فإن الخارجية السودانية التي تتحدث باسم الجيش عدّته انتهاكاً للسيادة، وهددت بإعادة النظر في عضويتها بمنظمة «إيغاد».

وأطلقت «إيغاد» في 14 يونيو (حزيران) الماضي مبادرة لوقف الحرب السودان، تضمنت تكوين لجنة رباعية برئاسة كينيا، وعضوية رئيس الدورة الحالية الحالية لـ«إيغاد» (جيبوتي)، وإثيوبيا وجنوب السودان، ولقاءً مباشراً بين كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، وأن تبدأ الهيئة خلال ثلاثة أسابيع إدارة حوار وطني بين القوى المدنية السودانية لحل الأزمة في البلاد.

لكن الجيش السوداني اعترض على ترؤس الرئيس الكيني وليام روتو اللجنة، واشترط لقبولها أن تكون برئاسة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت. وطالبت الخارجية السودانية وقتها بحذف أي إشارة تخرج القضية من وساطة «إيغاد» ومن البيت الأفريقي، في حين دعت قوات «الدعم السريع» إلى توحيد المنابر، مبدية التزامها بمنبر جدة التفاوضي الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

بيد أن «إيغاد» لم ترد على طلب السودان، وواصلت أعمالها باجتماع الرباعية الأفريقية في أديس أبابا الاثنين، برئاسة كينيا، وبحضور كل من مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية مولي فيي، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة، والإمارات، ومصر، وبريطانيا، وأعقب الاجتماع لقاءات بين المشاركين مع ممثلين عن المجتمع المدني السوداني، على الرغم من رفض وفد الجيش السوداني المشاركة في الاجتماعات مع أنه كلن حاضراً في أديس أبابا.

وقالت الخارجية السودانية إنها فوجئت بإبقاء روتو رئيساً للرباعية ورفض طلبها الذي وجهته لرئيس «إيغاد»، الرئيس عمر جيلي، واتهمته بعدم الحياد وبإيواء من تسيمهم «قادة المتمردين». وظل الوفد السوداني في أديس أبابا حتى انتهى اجتماع الرباعية من دون أن يشارك فيه.

«الدعم» تؤيد

من جهتها، أعلنت قوات «الدعم السريع» تأييدها لما توصل له الاجتماع، وعدّته تمهيداً لوقف الحرب ومعالجة جذور الأزمة السودانية وعودة الحكم المدني الديموقراطي وخروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي.

ووصف بيان «الدعم السريع» مقاطعة وفد القوات المسلحة بأنه مجرد «ذرائع واهية»، وقال: إنه تصرف غير مسؤول يكشف عن أن القرار داخل المؤسسة العسكرية مختطف، وأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار، تسعى لإطالة أمد الحرب وعرقلة المساعي الحميدة. وتابع البيان أن «مقاطعة وفد القوات المسلحة يأتي ضمن نهج النظام البائد المتطرف الذي بسببه تعرض السودان إلى أكبر عزلة إقليمية ودولية في تاريخه، وإلى عقوبات تركت آثاراً سلبية في مناحي الحياة كافة في البلاد».

أحد عناصر «الدعم السريع» بموقع قيادة قوات الدفاع الجوي المدمر في الخرطوم الشهر الماضي (رويترز)

وأكدت اجتماعات الرباعية في بيانها الختامي، على عدم وجود «حل عسكري» للصراع في السودان، وحثت أصحاب المصلحة للدفع إلى عقد لقاء مباشر بين قادة الأطراف المتحاربة، والوقف الفوري للعنف، وتوقيع اتفاق غير مشروط وغير محدد لإطلاق النار، من خلال اتفاق لوقف الأعمال العدائية، مدعوم بآلية إنفاذ ومراقبة فعالة، فضلاً عن اتخاذ خطوات ملموسة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وطلبت دول المجموعة الأفريقية عقد اجتماع لقمة القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا؛ للنظر في إمكان نشر هذه القوة لحماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية، وهي إشارة إلى إمكان التدخل المباشر حال تعثر طرفي القتال في الوصول لاتفاق، كما دعت ما أسمتها «الجهات الفاعلة» للانخراط في حوار سلام شامل للجميع يملكه ويقوده السودانيون من أجل تحقيق سلام مستدام.

وجاءت التصريحات المنفردة التي أعقبت اجتماع الرباعية، لكل من الرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وكلاهما من الفاعلين الكبار في الاتحاد الأفريقي، لتزيد من احتمالات «التدخل» العسكري الأفريقي المباشر للفصل بين القوات المتحاربة في السودان. فرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، طالب باتخاذ إجراءات فورية في السودان، تشمل فرض منطقة حظر طيران ونزع المدفعية الثقيلة، في حين قال وليام روتو في مؤتمر صحافي: إن الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل «قيادة جديدة» قادرة على إخراج السودان من الكارثة الإنسانية.

مبنى مدمر في أمدرمان مع استمرار الاشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع» (رويترز)

وفي أول رد فعل على ما خرجت به اجتماعات الرباعية الأفريقية، رفضت الخارجية السودانية نشر أي قوات أجنبيه في السودان، وقالت: إنها ستعدّها قوات معتدية، واستنكرت تصريحات الرئيس الكيني التي عدّ بموجبها السودان في حاجة إلى «قيادة جديدة»، كما أبدت الخارجية دهشتها، وفقاً للتصريح الصحافي، من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، والتي ذكر فيها أن هناك فراغاً في قيادة الدولة، واستنكرت دعوات لفرض حظر جوي ونزع المدفعية الثقيلة، بما يخالف ما أسمته «تفاهماته المباشرة القائمة مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة»، وأضافت: «تعدّ حكومة السودان التصريحات أعلاه مساساً بسيادة الدولة السودانية، وهو أمر مرفوض».

«الخارجية» تتوعد

وتوعدت الخارجية السودانية بإعادة النظر في عضويتها بمنظمة «إيغاد»، وقالت وفقاً للتصريح: «تفيد حكومة السودان منظمة (إيغاد) بأن عدم احترام الدول الأعضاء، سيجعل من حكومة السودان تعيد النظر في جدوى عضويتها في المنظمة».

وصدرت ردود فعلية شعبية على ما تمخض عنه اجتماع أديس أبابا. وأبدى «حزب المؤتمر الشعبي»، وهو أحد أطراف العملية السياسية التي أجهضتها الحرب، ومن الموقّعين على الاتفاق الإطاري، تحفظه على المبادرات الخارجية، عادّاً أن الجهود الدولية والإقليمية لتسوية النزاعات في السودان من قبل لم يكتب لها النجاح، ودعا القوى السياسية الوطنية لقيادة مبادرة تستفيد من التيسير الدولي للوصول لتسوية عاجلة توقف الحرب، ودعا لما أسماها «مائدة مستديرة» لحل الأزمة، وحذر من تحول المبادرات والوساطات إلى «تظاهرة سياسية» تستهلك الوقت على حساب الشعب.

سيناريوهات كارثية

وقال المتحدث باسم «تحالف الحرية والتغيير»، خالد عمر يوسف، في تصريحات صحافية: إن استمرار الحرب لوقت طويل سيدخل البلاد في سيناريوهات كارثية أقربها حدوثاً تحولها حرباً أهلية تقسم البلاد وتفتتها، وتابع متهماً النظام السابق: «المؤتمر الوطني هو الطرف السياسي الوحيد الذي لديه مصلحة في استمرار الحرب بغرض عودته للسلطة»، وحذّر من محاولته «تصفية قوى الثورة المدنية».

من جهتهم، فإن الموالين للجيش السوداني، سارعوا لشن حملة إعلامية ضد «إيغاد» وضد قادة دولها، وطالبوا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع كل من إثيوبيا وكينيا، وطرد سفيريهما لدى البلاد. وحذّر الكاتب الموالي للمؤتمر الوطني، يوسف عبد المنان، في تغريدة متداولة، من أن «(إيغاد) حاولت نزع شرعية البرهان، وعدّه ممثلاً للجيش فقط». وأضاف: «هي خطوة لها ما بعدها من مخطط لفصل كردفان ودارفور عن بقية السودان، وجعل الأبيّض عاصمة لحكومة الشركاء و(الدعم السريع)، على الطريقة الليبية، وتكوين حكومة منفى برئاسة عبد الله حمدوك والبحث عن مشروعية دولية لها».

‫0 تعليق

اترك تعليقاً