السودانيون من دون رواتب أو نقود منذ ثلاثة أشهر

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

السودانيون من دون رواتب أو نقود منذ ثلاثة أشهر

خلعت المعلمة «م» خاتم زواجها ووضعته أمام الصائغ الجشع بمدينة «ود مدني» وسط الخرطوم، فقلبه الصائغ يمينا ويساراً، وقال: «هذا نعتبره قطعة ولا يخضع للوزن»، خاتم زواج المعلمة من عيار 21 قيراطا يقارب وزنه الثلاثة غرامات، وسعر الغرام في الأسواق في حدود 34 جنيها، لكن الصائغ الذي اكتظ محله بالمشغولات الذهبية التي اشتراها من السيدات المضطرات، قدر ثمنه بنحو 50 جنيها، فرضخت السيدة التي كانت في حاجة ماسة لألف جنيه ناهيك عن خمسين، بعد أن ظلت بلا راتب منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي.

وقالت المعلمة والحاجة تطل من عينيها، لم تصرف رواتب أبريل ومايو (أيار) وها قد حل راتب يونيو (حزيران)، «لقد فررت من القتال مع أطفالي وزوجي، وهو موظف ولم تصرف رواتبه أيضا، وبسبب غلاء الإيجارات اضطررنا لبيع ما استطعنا ادخاره من (حلي ذهبية) على التوالي، ولم يتبق لي سوى (دبلتي)، وها أنا ذا أضطر للتخلي عنها وفيها ذكريات زواجي وشبابي».

سكان يغادرون منازلهم في جنوب العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

ولا يختلف كثيرا حال المعلمة «م» عن حال الموظف بـ«جامعة بحري» بالخرطوم بحري أبكر آدم إبراهيم، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا، إن كل أساتذة وموظفي الجامعة، بما فيهم كبار الأساتذة والبروفسورات، لم تصرف رواتبهم عن أشهر الحرب الثلاثة، وإن لجنة برئاسة مدير «جامعة الجزيرة» تشكلت في مدينة ود مدني، للبحث في الأمر مع وزير المالية جبريل إبراهيم.

وكيف يتدبرون أمورهم وهم بلا دخل، قال: «نعتمد على الأسرة الممتدة، فأفراد الأسرة يعينون بعضهم البعض إلى أن يشاء الله».

وبينما يعاني أصحاب الدخول المحدودة والعاملون في الدولة والقطاع الخاص، من عدم صرف الرواتب، فإن معاناة أصحاب الدخول اليومية من عمال وصناع وصغار التجار، أكبر بكثير، فقد تعطلت الأعمال والأشغال، وكثرت الاستغاثات من الجوع بينهم، ونداءات طلب العون، وتتداول مواقع التواصل الاجتماعي، وشبكات التنظيمات المدنية، نداءات كثيرة بمعاناة هذه الشريحة الاجتماعية، ويقول أحدهم: «أفراد أسرة ضاق بهم الحال، وعزموا الرحيل من مدينة الحاج يوسف إلى ولاية آمنة، لكنهم لا يملكون أجرة النقل، ليس لهم معيل وفقدوا القدرة على العيش».

ومثلما كثرت نداءات الاستغاثة من الجوع، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل أخبارا ومعلومات عن نساء ورجال وأطفال «ماتوا من الجوع»، فقد نقلت «لجنة مقاومة أحياء الخرطوم» 2 و3 الراقية، أن المواطنتين «زفارت يقفيان وشقيقتها، توفيتا بمنزلهما في شارع 51 بحي العمارات الثري بعد معاناة من الجوع والعطش، ولم يستطع أحد، حتى تاريخ كتابة بيان لجنة المقاومة، الدخول لمنزلهما لدفنهما لأن قوات الدعم السريع التي تسيطر على المنطقة تمنع الدخول».

أحد فروع المصارف المقفلة في العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

وفاقمت الضربة التي وجهت للنظام المصرفي من أزمات المواطنين الذين يملكون «مدخرات» في البنوك، حيث تعطلت التطبيقات البنكية، وأغلقت. وتوقفت المصارف والبنوك في الخرطوم عن العمل لفترة طويلة، قبل أن تعيد فتح فروعها في الولايات، وحتى هذه فهي مرتبطة بشبكة الاتصالات التي تتعطل كثيراً.

واتجهت أعداد غفيرة من المواطنين إلى مدينتي ود مدني وبورتسودان ومدن الولايات الأخرى، لعلهم يحصلون مدخراتهم في تلك البنوك… وفي فرع «بنك الخرطوم» بمدينة ود مدني، يتكدس الآلاف من العملاء، وبالطبع فإن الفرع لا يستطيع تلبية طلباتهم، وبذلك تحول أمر صرف الأموال إلى معركة.

وتقول إحدى السيدات في تغريدة على «فيسبوك»: «سيدة وحيدة وحامل أغمي عليها وهي تحاول جاهدة الوصول لمدخراتها من أمام البنك، أجريت لها الإسعافات الأولية فأفاقت، وبرغم حالتها الصعبة، لم يسمح لها الجمهور المتدافع بدخول البنك، فأغمي عليها للمرة الثانية ونقلت للمستشفى ولا يعرف أحد ماذا حصل لها بعد ذلك… ربما ماتت».

وفي بورتسودان قال الصحافي «أ. أ» إنه لم يستطع صرف مدخراته بسبب الزحام حول البنوك، وانقطاع شبكات الاتصال التي تتعطل معها خدمة الفروع، وقال: «إنه قضى أكثر من 15 يوماً أمام بنكه للحصول على «كاش» يكمل به إجراءات سفره وأسرته إلى مصر من دون جدوى، وفشلت محاولته في اللجوء إلى مصر، بعد اتخاذها إجراءات جديدة.

وقضى الصحافي «و. ع» أكثر من 53 يوما في الخرطوم بعد اندلاع الحرب، قبل أن يضطر للنزوح إلى مدينة ود مدني، قال: «قضينا كل هذه الأيام محبوسين، لا نخرج إلاّ للبقالة والتسوق، وحتى خروجنا يواجه خطر الاستيلاء على أموالنا وهواتفنا النقالة»، وتابع: «كنا نعتمد على وجبة عدس في اليوم، ولحسن الحظ فإن بعض الأفران تعمل جزئيا، نحصل منها على الخبز، وبعد عدة أيام اعتاد الناس على الحرب، وصارت بعض الضروريات من الخضر والألبان والبقالة، متاحة جزئيا».

مشهد من دخان المعارك في أم درمان (رويترز)

وكانت وزارة المالية ووزيرها قد انتقلا من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان، وبرغم تقديم وعد تلو آخر، فإن مشكلة الرواتب لا تزال من دون حل. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» في آخر تصريح للناطق الرسمي باسم الوزارة، في20 مايو الماضي: «إنه وجه بنك السودان المركزي بصرف رواتب العاملين عن شهر أبريل الماضي، عبر فروعه في الولايات، وإن مدير البنك المركزي وجه فروعه بصرف الرواتب»… لكن الرواتب لم تصل لمستحقيها، ما جعل معظم الناس يعيشون كارثة وفقرا مدقعا.

ويعتمد معظم المواطنين في مناطق الحرب، أو الفارين منها، على وجبة واحدة، إن وجدوها، وبعضهم لا سيما في مناطق «شرق النيل» بالخرطوم يعتمدون على الحليب الذي توزعه مزارع الألبان «مجانا» لعدم وجود أسواق.

ولا يعرف أحد متى تعود الحياة لطبيعتها… وإلى ذلك الحين، سيظل الناس يتضورون…

‫0 تعليق

اترك تعليقاً