استهداف القرم و«سلاح الحبوب» يُصعّدان المواجهة في أوكرانيا

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

موسكو تنسحب من صفقة الحبوب… وتلوّح باستهداف إمدادات أوكرانيا

تجاهلت موسكو الاثنين النداءات التركية والأممية لتمديد العمل باتفاق إمدادات الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا. وأعلن الكرملين تعليق مشاركة روسيا في الصفقة، بينما حمّلت الخارجية الروسية الغرب المسؤولية عن هذا التطور بسبب تقاعسه عن تنفيذ الشروط الروسية.

ولم تنجح الجهود التي تسارعت خلال الأيام الأخيرة في حمل موسكو على التراجع عن تحفظاتها حيال تمديد الاتفاق الذي انتهى العمل به رسمياً الاثنين. وكانت تركيا قد نشّطت تحركاتها على هذا الصعيد، كما سعت الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى تغيير الموقف الروسي عبر رسالة بعثها الأمين العام أنطونيو غوتيريش قبل أيام إلى الرئيس فلاديمير بوتين اشتملت على ضمانات بتنفيذ الشق الروسي من الاتفاق.

الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

وأعلن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف «توقف صفقة الحبوب ابتداءً من اليوم (الاثنين)». وأكد إمكانية «عودة روسيا إليها على الفور بمجرد تنفيذ الجزء الروسي منها». أما الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا فقالت إن بلادها «أبلغت رسمياً كلاً من تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة اعتراضها» على تمديد «صفقة الحبوب».

وقد جرى التوصل إلى صفقة الحبوب بمبادرة من أنقرة في 22 يوليو (تموز) من العام الماضي، وقد تضمنت اتفاقين منفصلين، يضمنان إطلاق إمدادات الحبوب والأسمدة من أوكرانيا وروسيا وفتح ممر إنساني في البحر الأسود لتنفيذ هذا الغرض. كما اتفقت الأطراف على إقامة مركز مراقبة لتنفيذ الاتفاقين في أنقرة.

وجرى توقيع الاتفاق الأول من جانب أوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا والثاني من جانب روسيا والأمم المتحدة وتركيا. لكن روسيا اشتكت أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية من أنه لم يجرِ تنفيذ بنود الاتفاق المتعلق بها، خصوصاً لجهة امتناع الغرب عن رفع القيود المفروضة على حركة السفن ونشاط الموانئ الروسية، ورفع الحظر على تعامل مصارف روسية مع نظام «سويفت» المالي الدولي. وأسفر «تقاعس» الغرب، كما تقول موسكو، عن تعطل الإمدادات الروسية من الحبوب والأسمدة.

حصد الحنطة في قرية زغوريفكا الأوكرانية في 9 أغسطس 2022 (أ.ب)

وقالت موسكو إن شركات التأمين واصلت الامتناع عن التعاون مع خدمات الموانئ والسفن التي تتعامل مع روسيا، كما رفضت أوكرانيا إطلاق خط أنابيب الأمونيا، الذي يجري تصدير الأمونيا إلى الاتحاد الأوروبي من خلاله، خلافاً لأحد بنود الاتفاق.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد في محادثة هاتفية مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا قبل يومين على «العوائق القائمة أمام الصادرات الروسية التي كان ينبغي إزالتها في إطار صفقة الحبوب». وشدد على أن «الالتزامات المنصوص عليها في مذكرة روسيا والأمم المتحدة، والخاصة بإزالة العوائق أمام تصدير الأغذية والأسمدة الروسية لم يتم تنفيذها حتى الآن، وإضافة إلى ذلك، لم يتحقق أيضاً الهدف الرئيسي من الصفقة، ألا وهو توريد الحبوب إلى البلدان المحتاجة، بما في ذلك القارة الأفريقية».

وبالتزامن مع وقف العمل بالاتفاق، لوّحت الخارجية الروسية بقدرة موسكو على تعطيل الشق الأوكراني من الصفقة. وأفادت في بيان الاثنين بأن روسيا «تسحب ضماناتها الأمنية لشحنات الحبوب وتغلق الممر الإنساني في البحر الأسود». وذكرت الوزارة أن روسيا «ستكون مستعدة للنظر في استئناف صفقة الحبوب فقط حال الحصول على نتائج ملموسة، وليس الوعود والتأكيدات».

وأشارت الوزارة إلى أنه «بعد مرور عام، تبدو نتائج العمل في مجال تنفيذ مبادرة البحر الأسود مخيبة للآمال وما زال تصدير المواد الغذائية من أوكرانيا، يهدف فقط إلى خدمة مصالح كييف ورعاتها الغربيين».

وتابع بيان الوزارة أنه جرى استخدام الموانئ التي تسيطر عليها كييف والممر الآمن الذي فتحته روسيا لتصدير الحبوب الأوكرانية، لتنفيذ الهجمات الإرهابية. وأوضح أن أقل من 3 في المائة من المواد الغذائية ذهبت إلى أفقر البلدان في صفقة الحبوب، وأكثر من 70 في المائة ذهبت إلى البلدان ذات الدخل المرتفع.

وكان اتفاق الحبوب قد جرى تمديده ثلاث مرات منذ إبرامه، وآخر مرة مددت الصفقة في 17 مايو (أيار) الماضي لمدة شهرين. وينص الاتفاق على سماح روسيا بتصدير الحبوب الأوكرانية من 3 موانئ هي أوديسا وتشورنومورسك ويوجني عبر ممر فتحه الأسطول الروسي في البحر الأسود، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق الدولية.

وحذّرت روسيا مراراً من احتمال انسحابها من الاتفاق، ودعت الجهات المشاركة إلى تنفيذ تعهداتها المتعلقة بالشق الروسي منه.

وفي التداعيات المحتملة لقرار الانسحاب الروسي، فقد أفادت وكالة أنباء «نوفوستي»، التي استندت لبيانات الأمم المتحدة وجهات رسمية في أوكرانيا، فإن أوكرانيا قد تخسر ما يصل إلى نصف مليار دولار شهرياً جراء توقف الصفقة، وبين أغسطس (آب) 2022 ويونيو (حزيران) 2023 صدّرت أوكرانيا 50.6 مليون طن من الحبوب بقيمة اقتربت من 10 مليارات دولار وشحن الجزء الأكبر من الصادرات عبر 3 موانئ أوكرانية.

جانب من عمليات تحميل القمح على متن سفن بميناء أوديسا الأوكراني في 10 أبريل الماضي (أ.ف.ب)

لكن التداعيات الأبرز قد تظهر من خلال عودة أزمة نقص الإمدادات الغذائية إلى الواجهة خصوصاً في البلدان الأفريقية وفي عدد من البلدان الفقيرة.

أيضاً، برز أول التداعيات بشكل مباشر على أسعار القمح، وبعد إعلان الكرملين توقف اتفاق الحبوب مباشرة، قفزت أسعار القمح في الأسواق العالمية بأكثر من 3 في المائة، وصعدت العقود الآجلة للذهب الأصفر إلى 683 دولار للبوشل (وحدة قياس وزن الحبوب في الأسواق العالمية)، وفق بيانات وكالة «بلومبرغ».

ضاعفنا جهودنا الدبلوماسية في الآونة الأخيرة لتمديد اتفاقية الحبوب، التي دخلت التاريخ كإنجاز دبلوماسي ناجح

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان

إردوغان: بوتين يريد استمرار اتفاقية الحبوب

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كرر اليوم رغبة بلاده في السعي لإقناع روسيا بتمديد اتفاق الحبوب مع أوكرانيا (رويترز)

عبّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن اقتناعه بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد تمديد اتفاقية الممر الآمن للحبوب في البحر الأسود على الرغم من إعلان موسكو تعليق العمل بها حتى يجري تنفيذ الشق الخاص بها في الاتفاقية.

وقال إردوغان إنه لن ينتظر زيارة بوتين لتركيا في أغسطس (آب) المقبل، وقد يجري اتصالاً هاتفياً معه عقب عودته من جولته الخليجية، التي تختتم الأربعاء، لبحث الأمر.

وذكر إردوغان، في مؤتمر صحافي بمطار أتاتورك في إسطنبول قبل توجهه إلى السعودية الاثنين في مستهل جولته الخليجية: «لقد ضاعفنا جهودنا الدبلوماسية في الآونة الأخيرة لتمديد اتفاقية الحبوب، التي دخلت التاريخ كإنجاز دبلوماسي ناجح». وأضاف أنه «رغم التصريحات الرسمية التي صدرت عن روسيا الاثنين، سنواصل جهودنا الدبلوماسية والمساعي لتمديد الاتفاقية، وسيتواصل وزراؤنا ومسؤولونا مع المسؤولين في كل من روسيا وأوكرانيا». وتابع: «عند العودة من الجولة الخليجية سأتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحث المسألة… أنا مقتنع بأن الرئيس بوتين يريد تمديد صفقة الحبوب، وقد أجريت محادثات هاتفية معه قبل شهر أغسطس (الموعد الذي سبق أن أعلنه إردوغان لزيارة بوتين لتركيا ولم تؤكده موسكو بعد)».

ولفت الرئيس التركي إلى أن «هناك وفداً روسياً يعمل في مركز التنسيق التابع للأمم المتحدة في إسطنبول الذي يشرف على تنفيذ اتفاقية الحبوب، كما الوفود من الأطراف الأخرى التي تعمل بالمركز الذي أنشئ في جامعة الدفاع الوطني في إسطنبول، وأن الجهات المختصة في وزارة الدفاع التركية تتواصل مع الوفد الروسي ومع الجهات المعنية».

وقال إردوغان إنه «جرى حتى الآن تصدير 33 مليون طن من الحبوب عبر اتفاقية إسطنبول للمر الآمن للحبوب في البحر الأسود». وأضاف: «نبذل جهوداً كبيرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا».

سفينة قرب إسطنبول خلال نقلها شحنة قمح بموجب الاتفاق الروسي – الأوكراني في 2 نوفمبر العام الماضي (رويترز)

وكشف بيان لمكتب التنسيق الأممي الخاص باتفاقية الحبوب في إسطنبول أن دول الاتحاد الأوروبي كانت أكبر مستفيد من تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية بموجب الصفقة، وحصلت على 12.4 مليون طن منها. كما كانت الصين الدولة التي تلقت الحصة الكبرى بواقع 7.96 مليون طن، أو ما يقرب من ربع إجمالي الشحنات. وجاءت إسبانيا في المرتبة الثانية بـ 6.3 مليون طن، وحلت تركيا ثالثة بـ 3.2 مليون طن.

ووفق البيان الأممي، الصادر الجمعة، ضمت قائمة أكبر 20 دولة قد استفادت من الاتفاقية، البرتغال، وبلجيكا، وألمانيا، وفرنسا ورومانيا.

في المقابل، حصلت الدول الأفقر، التي تشمل حسب تصنيف الأمم المتحدة: أفغانستان واليمن والصومال والسودان وإثيوبيا، على 768.6 ألف طن فقط، أو 2.3 في المائة.

‫0 تعليق

اترك تعليقاً