إذا كان هكذا.. فهو فلسطيني

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

شكرا على متابعتكم خبر إذا كان هكذا.. فهو فلسطيني والان مع التفاصيل هذا الخبر

لكل شعب سمات وملامح، فالأفارقة يتسمون بسمار البشرة، والأوروبيون بالشعر الأصفر والعيون الملونة، وشرق آسيا بالعيون الضيقة، أما الإسرائيليون فليس لهم سمات لأنهم محتلين مهاجرين من كل بقاع الأرض، وكذلك الأمريكان فقد أتوا إلى القارة الأمريكية من مناطق عدة وانتشروا بها على حساب أهلها الأصليون (الهنود الحمر) ذوي البشرة الداكنة وضفائر الشعر الأسود.

أما المصريون فهم أيضا ليس لهم ملامح محددة نظرًا لتاريخهم العريق وتعدد الحضارات والأجيال، إلا أنه يمكن تمييزهم في أي مكان بالعالم، فهم الوحيدون الذين يمكن تمييزهم بالروح والإحساس، وربما يتشابه الشعب الفلسطيني مع المصريين فهم أيضا شعب عريق متجدر على هذه الأرض منذ الأزل، وليس من الضروري التعرف عليهم باستدلال «الكوفية» الفلسطينية، فقد أصبح معظم العالم يرتديها، فقد أبرزت الحرب الإسرائيلية على غزة، سمات أخرى ينفرد بها هذا الشعب العظيم، وهو ما سنحاول إيضاحه في السطور التالية:

فأغلب الفلسطينيون على درجة عالية من الثقافة والتعليم، إذا تحدثت مع أحدهم فإنه غالبا يتحدث العربية الفصحى، وقد يسترشد بآيات قرآنية أو أحداث تاريخية، ولا يستخدم المصطلحات الأعجمية (في الفاضية والمليانة).

تجده مبتسما مهما كانت آلامه ومعاناته، أو قد يكون فقد أعزاء لديه منذ بضعة دقائق، ومهما كانت مصيبته يقول «الحمد لله» أو «معلهش».. .إذا كان هكذا، فأعلم أنه فلسطيني.

وإذا صادفتك امرأة تطهي طعام على حطب، أو تغسل ملابس بمياه البحر، أو تجمع مياه شرب من حبات المطر، أو ترتب أشياء داخل خيمة مهلهلة، عندئذ أحني هامتك بكل خشوع، وقبل يديها الاثنتين، فهي «أم فلسطينية» تدبر أمور من تبقى من أبنائها، في ظل ظروف حصار قطع عنها كل سبل الحياة، أو قد تكون أم بطل، أو ستنجب بطلا إذا نال شرف الشهادة فهي تقول: «وهبته فداء لفلسطين».

وقد تجد إلى جوارها كهل عجوز تجاوز عقده الثامن، هو والدها أو جدها، قد تجده ممسك في قبضة يده بمفتاح عتيق، فلا تسأله عن السبب، فهو بالتأكيد «شيخ فلسطيني» ممن طردوهم الصهاينة خارج ديارهم في عام «النكبة»، ولا زال لديه الأمل بأنه سينتصر وسيعود إلى بيته في حيفا أو يافا أو.. .، ليرى شجرة الزيتون التي غرس نبتتها آنذاك.

وبينما هذا الشيخ يداعب أحفاده أو أطفال آخرين، فأنت إذا دققت النظر ستجدهم كبروا قبل الأوان فأصبحوا كبارا في جسد أطفال، فهذا طفل يعتقد أنه لن يكبر وأن الصهاينة (سيطخوه) قبل ذلك، وآخر يترقب لدبابة حتى يلقيها بحجر، أو ينتظر مرور السنوات حتى ينضم للمقاومة وينتقم لمقتل أبيه وأمه، وغيره ينزف دما أو يبكي لبتر ساقه، وهذا يبحث عن كسرة خبز ليسد جوعه، أو يرقص فرحا لأنه تحصل على وجبة طعام لأسرته هي حفنة أرز مخلوطة بالرمال لا تكفي لشخص واحد، وذاك يبحث عن أهله بين الركام أو تائه عنهم، أو أهله هم من يبحثون عنه، وهذه طفلة نبكي لفقد صاحباتها.. .وحتى الأطفال الخدج فهم يموتون قبل أن يعيشوا.. .هكذا يكون أطفال فلسطين.

أما الرجل الفلسطيني فهو شريك في كل ما سبق، ومن السهل التعرف عليه من علامات جسده، فإذا كان كفيه وأنامله قد تجلدت وتقرحت، فهذا أثر الحفر بيد عارية للبحث عن ذويه تحت الركام، وإذا كان احتباس الدم ظاهرًا على معصميه ورسغيه فهذا أثر القيود الحديدية عندما أسره الجيش الإسرائيلي بحجة الاشتباه بأنه مخرب، وإذا كان وجهه وجسده مغطى بالأتربة فذلك لأنهم قد أخرجوه للتو من تحت الأنقاض، وإذا كانت الزرقة حول عينيه فهذا لكثرة المعاناة والإرهاق، وإذا كان أشعثا فذلك لشح المياه، وفي كل الأحوال تستشعر من نظراته وبريق عينيه الصمود والتحدي، ولن تسمع منه إلا كلمات تعبر عن قوة الإيمان والأمل، وبدلا من أن تواسيه ستجده هو من يواسيك.

من الطبيعي أن يرتدي الطبيب بالطو أبيض، ولكن ليس من الطبيعي أن يصر على ارتدائه طول الوقت وأن يكون ناصع البياض رغم الدماء والأتربة وغبار المتفجرات، وأن يصر على تنفيذ واجباته لإنقاذ حياة الناس رغم كثرة الحالات وقلة الإمكانيات، داخل مستشفيات مهدمة خرجت من الخدمة، وقد حدث إن أحدهم (هاني بسيسو) اضطر إلى بتر ساق ابنة أخيه «عهد» (16 عاما)، على طاولة مطبخ وتحت ضوء موبايل دون تخدير أو أدوات طبية، هكذا هم أطباء فلسطين وأطقمها للتمريض والخدمات الطبية.

وإذا كان أطباء فلسطين هم جيشها الأبيض، فإن أطقمها للإسعاف هم جيشها البرتقالي، وفرق دفاعها المدني هم جيشها الفوسفوري (حيث أصبحت غزة عامرة بجميع ألوان الجيوش)، حالهم حال الأطباء ملتزمون بضوابط وشرف مهنتهم، وسجلوا أروع نماذج البطولة والتضحية، فهم يقلَبون الأنقاض للبحث عن الراقدين تحتها أحياء أو شهداء، بالوسائل المتاحة حتى ولو بأظافرهم. وهم من يحملون الجرحى على الأعناق أو بالنقالات أو عربات الخشب التي يجرها الدواب، أو أي سيارة متاحة، أو بما تبقى من سيارات إسعاف لم يقصفها الصهاينة، وهم من يسارعون لتلبية أي صرخة استغاثة، ومنهم من فُقد الاتصال به ومن استشهد أو تم إصابته إصابة خطيرة.

أما إذا كنت تبحث عن «مهنة المتاعب»، ستجدها بأجل صورها في مراسلي الإعلام الفلسطينيين أو غيرهم، الذين ينقلون الأخبار على الهواء من أرض الواقع وسط ويلات الحرب، ولولاهم لما عرفنا جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، ولما تحرك العالم لتأييد غزة، فإحداهن تستشعر من ملامحها أنها تقدمت في السن عشرات السنوات في إيام معدودة، وآخر استهدف العدوان جميع أفراد عائلته، بل واستهدفوه هو شخصيا، ورغم ذلك كان يصر على أداء رسالته الإعلامية في اليوم التالي بكل ثبات واتزان ولا عزاء له إلا الإيمان بقضاء الله وقدرة، وغيرهم الكثيرين ممن أصيبوا، لكنهم لم يكلوا ولم يخشوا الموت، بل مستمرين في أداء رسالتهم الإعلامية بكل شجاعة وإقدام.

ولولاهم، ما كنا شاهدنا أسطورة المقاومة الفلسطينية، وكيف أن بضع عشرات منهم مزودين بأسلحة محلية، يؤدبون مئات الآلاف من جيش الرعاع المزود بأحدث العتاد ويدعون أنهم أعتى جيوش العالم، وما كنا عرفنا السمات الفريدة للفدائي الفلسطيني، فبينما يقصفه العدو عن بعد بالطائرات والصواريخ، يقترب هو من عدوه ليضيف إلى فنون القتال مصطلح «مسافة الصفر»، حيث يتسلل بين الأنقاض حتى يصل إلى دبابات «الميركافا» بنحو (100) متر، حافي القدمين لا يحمل سوى قاذف مضاد للدروع، أو يقترب منها بالاتصال الجسدي المباشر فيلصق بها عبوة فتنتهي القصة بتدميرها بمن فيها، أو ينصبون كمائن ألغام على محاور تقدمهم أو شراك خداعية على فوهه نفق هيكلي، أو يقنصوهم حيث يتحصنون، أو يدكون مراكز قياداتهم وأرتالهم بالهاونات، ولا تسمع منهم سوى صيحات «الله أكبر، وما رميت إذ رميت»، ما جعل الصهاينة يرتبكون ويقتلون بعضهم بعضا، فتكون خسائرهم المادية والبشرية كبيرة، والكثير منهم خضعوا للعلاج النفسي. حتى إنك إذا سمعت جندي إسرائيلي يتحدث عن «الأشباح» فأعلم أنه يتحدث عن «المقاومة الفلسطينية».

وهناك أيضا الجانب الإنساني، فالمقاومة الفلسطينية تلتزم بأخلاقيات الحروب للدين الإسلامي الحنيف، فهي لا تقتل أطفال أو نساء كما يدعي الصهاينة، وأثبتت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية أن من قتلهم يوم 7 أكتوبر هي طائرة أباتشي ودبابة ميركافا، ومن ناحية أخرى – لو نتذكر – مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين إلى الصليب الأحمر، التي بدت وكأنها احتفالية وداع تغمرها القبلات والتلويح بإشارات الوداع بين الأسرى وحراسهم، ولنتأمل الأسيرة التي كانت تحمل جرو صغير: «كيف تم أسرها، وكيف كانت تعيش هي وكلبها طول مدة الأسر؟»، ورغم أن ذلك تم وسط جمهور فلسطيني، إلا أن أحدا منهم لم يسبهم أو يقذفهم بحجر. بعكس ما سمعناه من الأسرى الفلسطينيين الذي كانوا في معتقلات إسرائيل، من قصص مؤلمة لجميع أشكال التعذيب والتنكيل وانتهاك لحقوق الإنسان.

لم أتعجب لكيف يعيش الفلسطينيون بقدر ما أبهرني كيف يستشهدون، فجثامين هؤلاء الشهداء لها دلالات وعبر، فقد تجد أحدهم قد فارق الحياة وهو يرفع السبابة للتوحيد بالله، وآخر يقبض على قصاصة ورق بها آية قرآنية، أو ممسك بمصحف، وآخر استشهد وهو في وضع السجود مسبحا لله، وإذا كان يلفظ أنفاسه الأخيرة تجده يتمتم بعبارات دينية، وإذا كانت سيدة قد تجدها محتضنة رضيعها، ويصعب أن تجد شهيدة يخرجونها من تحت الركام لا ترتدي الإسدال وكأنها كانت مستعدة للقاء ربها، وقد تجد طفلا لم يبلغ العاشرة يلقن أخيه الأصغر «الشهادة» قبل أن يفارق الحياة.. إذا سألت أقاربهم تجدهم ثابتين راضين بقضاء الله، وأنه قدر من يسعى للحرية.

وأما إذا كنت تمر بجوار فناء من أرض تبدو أنها تحت الاستصلاح للزراعي، فهي ليست كذلك، إنما هي أرض جرفتها آليات الصهاينة على من فيها. لذلك تجدها مختلطة بجثامين الشهداء، فإذا كان جثمان في كفنه فهو جثمان ضمن مقابر جماعية وقد انتهكوا حرمته، وإذا كان بملابس عادية فإنه لإنسان دفنوه حيا، وإذا كان أشلاء أو جثمان ممزق فأعلم أنهم سرقوا بعض أعضاؤه.

هكذا هو الشعب الفلسطيني يُقبل على الاستشهاد ولا يقبل الاستعباد، يتضرر من الجوع ويرفض الخضوع، ينام في العراء ولا مذلة الأعداء، يدافع عن عرضه ويستميت على أرضه، يقينه الإيمان والصمود ولا يفر إلى الحدود، شعارة العزة والكرامة ولو من حساب السلامة.

عزيزي القاري، تلك كانت سمات الشعب الفلسطيني، أما إذا كنت تبحث عن الإرهابيين فعليك بسؤال أي صهيوني ليشير لك على الشيوخ والنساء والأطفال أو موظفي الأونروا.. .وأما إذا كنت تبحث عن إنسان، فأنصحك لا تفعل لأنك ستجد بشر ولن تجد إنسان، فقد ولى زمنه.

والآن، إذا كان ينتابك شعور بالحزن والإحباط والاكتئاب ممزوج بالفخر والعزة والتفاؤل بالنصر القريب، فبالتأكيد تكون أدركت رسالتي، أو إنك في الأصل تعايش أحوال غزة جسدا أو روحا.

وأخيرا يكفيني الاستدلال بشهادة شاهد من أهلها، وهو اليساري الصهيوني «جدعون ليفي» حين قال: «يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر.. .»، والكاتب الإسرائيلي الشهير «أري شبيط» في ختام مقاله الذي نشر بصحيفة هآرتس الإسرائيلية بتاريخ 8/ 9/ 2016م، حين قال: «يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوفهم، وإنهاء الاحتلال.. .».

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

محمد علي خريج كلية العلوم جامعة المنصورة اعمل في مجال الصحافة والتحرير منذ سنوات عديدة التحقت مؤخرا بفريق عمل المحرر العربي

‫0 تعليق

اترك تعليقاً