ترامب وبوتين.. تحالف محتمل يُعيد تشكيل مستقبل أوروبا ويهدد تماسك الغرب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
google news

أبرزت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، تقارب محتمل بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يستند فقط إلى إعجاب شخصي متبادل، بل يتغذى على مصالح مشتركة تتقاطع عند معارضة حلف الناتو، وتقويض الاتحاد الأوروبي، ودعم التيارات اليمينية الشعبوية.

وقالت المجلة الأمريكية، إن ما حدث في احتفالات عيد النصر في روسيا، يعد انعكاسًا لطموحات كامنة في عقل ترامب، الذي لطالما عبّر عن إعجابه العلني ببوتين، واصفًا إياه بـ”العبقري” و”الذكي” و”البارع”. 

إعجاب يتجاوز حدود الدبلوماسية

في موسكو، تتردد أصداء هذه المجاملات بإعجاب، حيث يصف بوتين ترامب بـ”الشجاع”، و”الملاحَق من الدولة العميقة” خلال ولايته الأولى. 

هذا الإعجاب المتبادل يتجاوز حدود الدبلوماسية، ويكشف عن تقارب أعمق مبني على رؤية متشابهة لمفهوم السلطة، والمصالح المشتركة في مواجهة أوروبا.

ترامب يرى في بوتين نموذجًا للقيادة القوية التي لا تعير اهتمامًا للقيود المؤسسية أو الرقابة الشعبية، وبوتين، بحسب أنصاره، أنقذ روسيا من الفوضى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأعاد بناء نفوذها العالمي عبر إحكام قبضته على السلطة وتحويلها إلى دولة تُدار عبر تداخل المال والنفوذ. 

ويتيح النظام الروسي، كما يراه ترامب، لمن هم في قمة السلطة التمتع بثروات هائلة دون مساءلة، ويمكّنهم من ممارسة السلطة والثروة كأدوات متبادلة، وهي صفات تبدو جذابة لرجل أعمال تحول إلى زعيم سياسي.

عداء مشترك لحلف شمال الأطلسي

لكن العلاقة بين ترامب وبوتين لا تقتصر على الإعجاب الشخصي، بل ترتكز أيضًا على عداء مشترك لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، فترامب لم يخفِ يومًا قناعته بأن الناتو عبء مالي على الولايات المتحدة، معتبرًا أن الأوروبيين أثرياء بما يكفي للدفاع عن أنفسهم، ولا يستحقون حماية أمريكية غير مشروطة. 

كما أبدى مرارًا شكوكه حيال المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تفرض على واشنطن الدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم، وهو التزام قد يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة نووية مع روسيا.

الوجود الأمريكي في أوروبا

في المقابل، يرى بوتين أن الوجود الأمريكي في أوروبا يعوق طموحاته، ويُشجّع دولًا مثل بولندا ودول البلطيق على اتباع سياسات تصادمية مع موسكو، ومن وجهة نظر الكرملين، لا بد من وجود “منطقة عازلة” من الدول المحايدة على حدود روسيا، وهي رؤية تتقاطع مع نزعة ترامب الانعزالية.

ولا يحتاج ترامب إلى قرار رسمي للانسحاب من الناتو، بل يكفيه أن يُقلّص تدريجيًا التزامات بلاده تجاه الحلف، كأن يمتنع عن إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا، أو يُحجم عن تعزيز التواجد الأميركي في أوروبا الشرقية، أو ببساطة لا يُعيّن خلفًا للجنرال كريستوفر كافولي عندما تنتهي ولايته كقائد أعلى لقوات الناتو في أوروبا. 

ويمكنه كذلك تقليص الحماية النووية الأمريكية عبر إعلان أن الأسلحة النووية الأمريكية لن تُستخدم إلا في حال تعرض الأراضي الأميركية لهجوم مباشر، وهو تصريح قد يُفهم كتنصّل من حماية الحلفاء الأوروبيين.

التعاون التقني مع واشنطن

في هذا السياق، تبقى بريطانيا وفرنسا القوتين النوويتين الوحيدتين في أوروبا، غير أن الردع البريطاني يعتمد بدرجة كبيرة على التعاون التقني مع واشنطن، خصوصًا في ما يتعلق بصيانة منظومة صواريخ “ترايدنت”، وإذا حاولت لندن لعب دور قيادي بديل لأميركا في أوروبا، يمكن لترامب أن يُمارس ضغوطًا تؤثر بشكل مباشر على القدرات النووية والاستخباراتية البريطانية.

أما على صعيد التسلح، فإن ترامب يستطيع فرض قيود على استخدام الأسلحة الأميركية المتطورة التي سبق أن باعتها واشنطن لحلفائها الأوروبيين، من دون المقاتلات F-35، والراجمات HIMARS، وصواريخ JASSM، والدعم الأمريكي في مجالات النقل الثقيل، والاستطلاع، والاستخبارات، تصبح دول أوروبا مكشوفة أمام التهديدات الروسية، ما يفتح الباب أمام موجات من التخريب والتجسس والهجمات السيبرانية.

هجوم فانس

وعلى غرار ما جرى خلال الحرب الباردة، حين استخدمت واشنطن مواردها الاستخباراتية والمالية لمواجهة النفوذ السوفيتي في أوروبا الغربية، يمكن أن تلجأ الولايات المتحدة مجددًا للتدخل في السياسة الأوروبية، لكن هذه المرة لدعم التيارات الشعبوية اليمينية المناهضة للمؤسسات. 

فقد هاجم نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن النخبة الأوروبية، مندّدًا بما وصفه “قمع حرية التعبير” عبر تصنيف ألمانيا لحزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني كتنظيم متطرف، وقبل ترامب وفانس، كان الدعم الأجنبي الأبرز لهذه التيارات يأتي من موسكو، والآن قد يأتي من واشنطن أيضًا.

هذا التلاقي في الدعم الأمريكي والروسي لأحزاب اليمين الشعبوي يُنذر بتغيير جذري في المشهد السياسي الأوروبي، إذ قد تحقق هذه الأحزاب اختراقات انتخابية تُقوّض الوحدة الأوروبية، وتضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على رسم السياسات وفرض القواعد، وهو تطور يصب في مصلحة كل من ترامب وبوتين.

المحادثات الثنائية في الرياض

وقد ظهرت ملامح هذا التقارب الأمريكي-الروسي أيضًا خلال المحادثات الثنائية في الرياض في مارس الماضي، والتي وُصفت بأنها شهدت اهتمامًا محدودًا بقضية أوكرانيا، مقابل تركيز أكبر على “العدو المشترك”: الاتحاد الأوروبي. 

وترى ترى في تنظيمات السوق الأوروبية للطاقة عائقًا أمام نفوذها، فيما ترى شركات التكنولوجيا الأميركية أن بروكسل تعرقل توسعها عبر قيود صارمة تتعلق بالخصوصية وحقوق النشر والذكاء الاصطناعي.

ولم يكن غريبًا أن يدعو وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، خلال مشاركته في منتدى اقتصادي إقليمي في وارسو، دول أوروبا الشرقية للانضمام إلى ما أسماه “فريق حرية الطاقة”. 

وجاءت دعوته على هامش فعالية تابعة لمبادرة البحار الثلاثة، وهي تكتل إقليمي تنظر إليه بروكسل بارتياب باعتباره محاولة أمريكية لتقويض هيمنة الاتحاد الأوروبي.

وفي ضوء هذه التطورات، يبدو أن تحالفًا غير معلن بين ترامب وبوتين قد يُعيد تشكيل مستقبل أوروبا، ويُهدد بتفكيك التحالفات التي قامت عليها وحدة الغرب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تقف على حافة تحوّل استراتيجي تُعيد خلاله واشنطن النظر في أولوياتها، فيما تغتنم موسكو الفرصة لترسيخ نفوذها في قارة تبحث عن توازن جديد.

 

 

 

 

 

 

 

 



‫0 تعليق

اترك تعليقاً