قالت الأستاذة الدكتورة هبة السمرى، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إن الذكاء الاصطناعي أصبح من الأدوات المحورية في مستقبل الاتصال الصحي، ويطرح تحديات وفرصًا تتطلب من الأكاديميين والممارسين التعاون لضمان أن يكون هذا التطور في خدمة الإنسان لا العكس.
جاء ذلك في إطار الحلقة النقاشية الرابعة من فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر كلية الإعلام جامعة القاهرة العلمي الدولي الثلاثين، تحت عنوان: “الاتصال الصحي وتمكين المجتمعات المعاصرة”. وتناولت الجلسة موضوع “مستقبل الاتصال الصحي في عصر تقنيات الذكاء الاصطناعي”، وشارك فيها عدد من المتحدثين الدوليين من البرازيل، باكستان، نيجيريا، والإمارات.
تحدث الدكتور إيكارو فيراز فيدال عن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والصحة النفسية، موضحًا أنه تناول في مداخلته تحليل التطبيقات الرقمية المستخدمة في هذا المجال، والتي تركز على العلاج النفسي وأفكار العناية الذاتية. وأكد أن العديد من هذه التطبيقات تعتمد على نموذج علاجي يتضمن تقنيات اليقظة الذهنية ومهارات العلاج السلوكي، وتعمل على بناء التوازن العاطفي لدى الأفراد.
وأشار فيدال إلى أن الإطار النظري الذي انطلق منه يرتكز على مفاهيم إبستمولوجية، مثل: تاريخ المعاناة النفسية، وأعراضها، وبنية الألم، والشفافية، وأهمية الروابط الاجتماعية. واختتم بأن الاعتبارات السلوكية ضرورية لفهم كيفية تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية.
تحدثت الدكتورة شهلا عدنان عن دمج الذكاء الاصطناعي في نظم الاتصال الصحي لتعزيز قدرة الأنظمة الصحية على مقاومة التغيرات المناخية. وأكدت أهمية تكامل الذكاء الاصطناعي مع الاستراتيجيات المحلية واحترام التنوع الثقافي.
وأشارت إلى أن استخدام تطبيقات مثل ChatGPT في اليابان يفوق استخدامه في الولايات المتحدة من حيث التطوير، موضحة أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين تشخيص الأمراض والتنبؤ بها، لا سيما في قطاع السياحة الصحية المرتبطة بالمناخ. ولفتت إلى ظهور أدوات جديدة مثل الروبوتات التي تستخدم العلاج المعرفي السلوكي وتوفر خدمات طوارئ طبية دون تدخل دوائي، بل تعتمد على تعزيز الوعي الذاتي.
وأضافت أن الذكاء الاصطناعي أسهم في تحويل أداء مؤسسات الصحة العامة في دول كبرى مثل اليابان والمملكة المتحدة، لكنها نبهت إلى استمرار تحديات مثل الاستبعاد الاجتماعي، وخصوصية البيانات، والتحيز، مما يستدعي جهودًا لبناء قدرات فعالة تضمن عدالة الوصول والتوزيع.
تناول الدكتور بيتر لوربر أوغوندو استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير محتوى إعلامي صحي شامل، مشيرًا إلى أهمية دمج البيانات، والحفاظ على خصوصيتها، مع تعزيز الصحافة الأخلاقية، خاصة في جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا.
وحذّر من أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم في نشر المعلومات المضللة إذا لم يتم توظيفه بشكل مسؤول، مشيرًا إلى أن الجائحة كشفت الحاجة إلى أدوات موثوقة في الإعلام الصحي. كما أكد على أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تسريع التشخيص والعلاج، لكنه يفتقر أحيانًا إلى الحس الثقافي اللازم للتواصل المجتمعي الفعال.
وشدد على ضرورة بناء سرد إعلامي صحي يستند إلى الأخلاقيات المهنية، مشيرًا إلى أن بعض الأدوات المتعلقة بالصحة بحاجة إلى تطوير أدوات صحفية أكثر توافقًا مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تناول الدكتور ايمانويل أوغاديمّا أثر الذكاء الاصطناعي في انتشار المعلومات الصحية المضللة، مستعرضًا تجارب من نيجيريا، خاصة أثناء جائحة كورونا. وأوضح أن أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على إنتاج محتوى شخصي في وسائل التواصل الاجتماعي، ما يمنحها قدرة كبيرة على التأثير.
وأشار إلى أن هذه الأدوات قد تُستخدم لتضخيم الادعاءات الزائفة والتلاعب بالمعلومات، خاصة في غياب الوعي الرقمي، مؤكدًا على أن بعض البرمجيات باتت تخلق محتوى مزيفًا يصعب تمييزه. ونبّه إلى ضرورة تمكين الصحفيين من أدوات التحقق، وتعزيز الثقافة العامة بشأن التعامل مع المعلومات الطبية عبر الإنترنت.
الأستاذ حبيب الله – المدير التنفيذي لكلية العلوم الصحية والتكنولوجيا – نيجيريا
واختُتمت الجلسة بكلمة الأستاذ حبيب الله، الذي تحدث عن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز لتحسين الخدمات الصحية. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح يساهم في إرسال رسائل صحية مخصصة للمرضى، وتوجيههم لزيارة العيادات المناسبة.
وأشار إلى أن هذه التقنيات الجديدة تساعد في تحليل الأعراض بدقة، والإجابة على استفسارات المرضى من خلال تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع إمكانية التفاعل البشري شبه الكامل. وختم حديثه بالتأكيد على أهمية أن تنتج هذه التطبيقات محتوى يشبه النصوص البشرية ويدعم الصحة النفسية للمستخدمين.
في الختام، أكدت الدكتورة بسنت مراد أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع الصحة يجب أن يكون مزيجًا متوازنًا بين الابتكار والمسؤولية. وقالت:
“من خلال دمج الأخلاقيات والعدالة والمساءلة في التقدم التكنولوجي، يمكننا توظيف الذكاء الاصطناعي للحد من الفجوات، وتحسين الرعاية، وتمكين المجتمعات.”
وأشارت إلى أن الطريق إلى الأمام يتطلب تعاونًا عاجلًا بين الحكومات، وقادة التكنولوجيا، ومقدمي الرعاية الصحية، والمجتمع المدني لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي الإنسانية، لا أن تَخدمه.